Skip to main content

اللهُ الْعَظِيمُ الْقَوِيُّ الَّذِي لا شَبِيهَ لَهُ فِي الْقُوَّةِ وَالْعَظَمَةِ هُوَ ذَاتُهُ مَنْ يُحِبُّ الْبَشَرَ بِطَرِيقَةٍ لا تُوصَفُ وَلا مَثِيلَ لَهَا. الْقُوَّةُ الأَعْظَمُ وَالْحُبُّ الأَعْظَمُ يَتَلاقَيَانِ فِي شَخْصِ اللهِ الْمُبَارَكِ الَّذِي أَظْهَرَ عَبْرَ التَّارِيخِ عَظَمَةَ صِفَاتِهِ وَرَوْعَةَ وَبَهَاءَ مَجْدِ جَلالِهِ

كَيْفَ تَعْرِفُ إِذَا كَانَ شَخْصٌ مَا يُحِبُّكَ حُبًّا حَقِيقِيًّا؟ الْجَوَابُ هُوَ فِي حَجْمِ التَّنَازُلاتِ الَّتِي يُقَدِّمُهَا هَذَا الشَّخْصُ مُقَابِلَ هَذَا الْحُبِّ. مَنْ يُحِبُّ يَتَخَلَّى عَنْ كُلِّ شَيْءٍ، يُضَحِّي بِكُلِّ شَيْءٍ، وَإِلَّا سَيَكُونُ الْحُبُّ مُجَرَّدَ كَلِمَاتٍ لا مَعْنَى لَهَا.

اللهُ الْعَظِيمُ الْمُبَارَكُ أَرَادَ أَنْ تَكُونَ الْعَلَاقَةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الإِنْسَانِ أَسْمَى مِنْ عَلاقَةِ “الْعُبُودِيَّة”. فَلَوْ أَرَادَ اللهُ أَنْ يُخْضِعَ جَمِيعَ الْبَشَرِ الْمُتَمَرِّدِينَ الْعُصَاةِ لَفَعَلَ ذَلِكَ فِي لَحْظَةٍ فِي طَرْفَةِ عَيْنٍ. فَهْوَ اللهُ الْخَالِقُ الَّذِي يَسْتَطِيعُ أَنْ يَفْعَلَ كُلَّ شَيْءٍ، الْمُتَحَكِّمُ بِكُلِّ شَيْءٍ، الَّذِي يَقُولُ لِلأَشْيَاءِ أَنْ تَكُونَ أَوْ لا تَكُون. هُوَ سَيِّدُ التَّارِيخِ وَمَلِكُ الْمُلُوكِ، هُوَ الَّذِي يَعْزِلُ مُلُوكًا وَيُنَصِّبُ مُلُوكًا آخَرِين، هُوَ الإِلَهُ الَّذِي لا يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ أَنْ يُجَاوِبَهُ أَوْ أَنْ يَقُولَ لَهُ لِمَاذَا فَعَلْتَ هَذَا أَوْ ذَاكَ.

لَكِنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ أَرَادَ لِعَلاقَتِهِ بِالإِنْسَانِ أَنْ تَكُونَ مَبْنِيَّةً عَلَى الْحُبِّ وَلَيْسَ عَلَى الْقُوَّة. فَبِالرَّغْمِ مِنْ أَنَّ اللهَ يَسْتَحِقُّ الْعِبَادَةَ لأَنَّهُ هُوَ الله، لَكِنَّهُ سُبْحَانَهُ يَنْظُرُ إِلَى الإِنْسَانِ عَلَى أَنَّهُ أَغْلَى وَأَسْمَى مِنْ عَبْدٍ مَغْلُولٍ بِالْقُيُودِ وَالْحَدِيدِ يَعْبُدُهُ لأَنَّهُ يَخَافُهُ وَيَهَابُ قُوَّتَه.

فِي لَيْلَةٍ مِنَ اللَّيَالِي ظَهَرَ اللهُ سُبْحَانَهُ لأَبِينَا إِبْرَاهِيمَ وَقَالَ لَهُ: يَا إِبْرَاهِيمُ خُذِ ابْنَكَ إِسْحَقَ الَّذِي تُحِبُّهُ وَأَصْعِدْهُ إِلَى الْجَبَلِ وَقَدِّمْهُ هُنَاكَ ذَبِيحَةً. فَلِمَاذَا يَا تُرَى فَعَلَ اللهُ ذَلِكَ؟

إِنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ، وَلأَنَّهُ اللهُ خَالِقُ الْكَوْنِ وَكُلِّ مَا فِيهِ، لَهُ الْحَقُّ أَنْ يَأْمُرَ إِبْرَاهِيمَ بِأَنْ يَذْبَحَ ابْنَهُ بِدُونِ أَنْ يَعْتَرِضَ، فَمَنْ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَعْتَرِضَ عَلَى حُكْمِ اللهِ وَقُوَّتِهِ وَجَبَرُوتِهِ؟

فِي طَلَبِ اللهِ مِنْ إِبْرَاهِيمَ أَنْ يُقَدِّمَ ابْنَهُ تَظْهَرُ قُوَّتُهُ وَسِيَادَتُهُ وَجَلالُهُ وَسُلْطَانُهُ. فَيَجِبُ أَنْ يُطَاعَ اللهُ حَتَّى وَلَوْ كَانَ الثَّمَنُ حَيَاتَنَا أَوْ حَيَاةَ أَوْلَادِنَا.

لَكِنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ لَمْ يَكْتَفِ كَمَا قُلْنَا بِأَنْ يُخْضِعَ الإِنْسَانَ لَهُ بِالْقُوَّةِ. لِذَلِكَ حِينَمَا أَخَذَ إِبْرَاهِيمُ ابْنَهُ وَوَضَعَهُ عَلَى الْمَذْبَحِ وَهَمَّ بِأَنْ يَقْتُلَهُ، نَادَاهُ صَوْتٌ مِنَ السَّمَاءِ قَائِلاً: “لا تَمُدَّ يَدَكَ إلَى الْغُلامِ وَلا تَفْعَلْ بِهِ شَيْئا لأنِّي الْآنَ عَلِمْتُ أَنَّكَ خَائِفٌ اللهَ فَلَمْ تُمْسِكِ ابْنَكَ وَحِيدَكَ عَنِّي”.

نَظَرَ إِبْرَاهِيمُ إِلَى الْخَلْفِ فَوَجَدَ كَبْشًا مَرْبُوطًا فِي الْغَابَةِ وَقَامَ بِذَبْحِهِ بَدَلاً مِنِ ابْنِهِ. وَلَكِنْ لِمَاذَا فَعَلَ اللهُ ذَلِكَ؟ لِمَاذَا طَلَبَ مِنْ إِبْرَاهِيمَ أَنْ يَذْبَحَ ابْنَهُ وَبَعْدَ ذَلِكَ أَوْقَفَهُ وَاسْتَبْدَلَ الْوَلَدَ بِالْكَبْش؟

الْحَقِيقَةُ أَنَّ قِصَّةَ اللهِ مَعَ إِبْرَاهِيمَ كَانَتْ لِلإِشَارَةِ إلى الذِّبْحِ الأَعْظَمِ الَّذِي سَيَكُونُ لِفِدَاءِ الْبَشَرِيَّةِ وَلَيْسَ “إِسْحَق” فَقَطْ. الذِّبْحُ الأَعْظَمُ الَّذِي سَيَفْتَدِي أَحِبَّاءَ اللهِ الَّذِينَ سَقَطُوا تَحْتَ قِصَاصِ الْمَعْصِيَةِ يَوْمَ سَقَطَ آدَمُ أَبُو كُلِّ الْبَشَرِيَّة.

وَلَكِنْ مِنَ الْمُسْتَحِيلِ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الذِّبْحُ الْعَظِيمُ هُوَ الْكَبْشُ، لا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الْحَيَوَانُ هُوَ الْفِدَاءُ الْمُقَدَّمُ بَدَلاً مِنِ ابْنِ إِبْرَاهِيمَ أَوْ بَدَلاً مِنْ أَيِّ أَحَدٍ مِنَ الْبَشَر. حِينَمَا تُرِيدُ أَنْ تَفْتَدِيَ شَيْئًا تَقُومُ بِتَقْدِيمِ شَيْءٍ لَهُ ذَاتُ الْقِيمَةِ بِالْمُقَابِلِ أَوْ أَكْثَر

ذَلِكَ الذِّبْحُ الْعَظِيمُ، ذَلِكَ الْفِدَاءُ الَّذِي أَرَادَ اللهُ سُبْحَانَهُ أَنْ يُشِيرَ إِلَيْهِ مِنْ خِلالِ قِصَّةِ إِبْرَاهِيمَ هُوَ عِيسَى الْمَسِيحُ الَّذِي جَاءَ إِلَى الْعَالَمِ لِكَيْ يَمُوتَ بَدَلاً عَنَّا. عِيسَى الْمَسِيحُ هُوَ التَّعْبِيرُ الْمُطْلَقُ عَنْ مَحَبَّةِ اللهِ لِلْعَالَمِ الَّتِي ظَهَرَتْ حِينَمَا جَاءَ وَهْوَ الْقَوِيُّ، اخْتَارَ أَنْ يَكُونَ ضَعِيفًا بِسَبَبِ مَحَبَّتِهِ لَنَا وَمِنْ أَجْلِنَا بِاخْتِيَارِهِ وَلَيْسَ عَنْ سَبِيلِ الاضْطِرَارِ، الْمَسِيحُ الْحَيُّ الَّذِي مَاتَ لِكَيْ نَعِيشَ نَحْنُ بَعْدَ أَنِ انْفَصَلْنَا عَنِ اللهِ بِسَبَبِ الْعِصْيَانِ وَكَانَ مَصِيرَنَا الْمَوْتُ وَالْهَلاكُ الأَبَدِيُّ. جَاءَ الْمَسِيحُ لِكَيْ يُعِيدَنَا إِلَى اللهِ وَلِكَيْ يُصَالِحَنَا وَيَبْنِيَ الْجِسْرَ الَّذِي هَدَمْنَاهُ بِمَعَاصِينَا.

الْكَبْشُ وَالذَّبْحُ وَالْفِدَاءُ هِيَ أُمُورٌ طَلَبَ اللهُ مِنَ الشَّعْبِ الْيَهُودِيِّ فِي الْمَاضِي أَنْ يُعَبِّرُوا عَنْهَا بِرُمُوزٍ وَذَلِكَ بِتَقْدِيمِ ذَبَائِحَ حَيَوَانِيَّةٍ، وَلَكِنْ كَانَ قَصْدُ اللهِ هُوَ تَقْدِيمُ عِيسَى الْمَسِيحِ الَّذِي سَيَمُوتُ مِنْ أَجْلِ الْبَشَرِ الْعُصَاةِ الْمُتَمَرِّدِينَ. وَهَكَذَا ظَهَرَتْ مَحَبَّةُ اللهِ لِلْعَالَمِ، الْمَحَبَّةُ الَّتِي لا يُمْكِنُ وَصْفُهَا، الْمَحَبَّةُ الَّتِي قَدَّمَهَا مِنْ أَجْلِنَا اللهُ سُبْحَانَهُ الَّذِي كانَ يَسْتَطِيعُ إِخْضَاعَنَا بِالْقُوَّةِ وَلَكِنَّهُ اخْتَارَ الْمَحَبَّةَ الَّتِي تَفُوقُ التَّصَوُّرَ.

فقد أَخْلَى نَفْسَهُ، آخِذًا صُورَةَ عَبْدٍ، صَائِرًا فِي شِبْهِ النَّاسِ. وَإِذْ وُجِدَ فِي الْهَيْئَةِ كَإِنْسَانٍ، وَضَعَ نَفْسَهُ وَأَطَاعَ حَتَّى الْمَوْتَ مَوْتَ الصَّلِيبِ.  لِذلِكَ رَفَّعَهُ اللهُ أَيْضًا، وَأَعْطَاهُ اسْمًا فَوْقَ كُلِّ اسْمٍ لِكَيْ تَجْثُوَ بِاسْمِ عيسى المسيح كُلُّ رُكْبَةٍ مِمَّنْ فِي السَّمَاءِ وَمَنْ عَلَى الأَرْضِ وَمَنْ تَحْتَ الأَرْضِ، وَيَعْتَرِفَ كُلُّ لِسَانٍ أَنَّ عيسى الْمَسِيحَ هُوَ رَبٌّ لِمَجْدِ اللهِ.